728 x 90



img

تحدثنا في الجزء الأول من الموضوع عن النمط التابع “المنقاد” وعرفنا كيف أن أولويته الأولى هي كسب رضا الآخرين من خلال تلبية احتياجاتهم حتى ولو كان ذلك على حساب نفسه، وهنا يجب أن نفرق بين هذا صاحب هذا النمط وبين الشخص الذي يتعامل بخلق الإيثار؛ حيث إن الشخص الذي يؤثر الآخرين على نفسه يفعل ذلك وهو راض من داخله عما يفعل، بينما صاحب النمط التابع يفعل ذلك وهو يعيش صراع نفسي بداخله وغير راضٍ عما يفعله، ويلوم نفسه في كل مرة يلبي فيها طلب الآخرين. والآن سنتحدث عن نمط مختلف تماما عن النمط السابق، وهو النمط العدواني.
النمط العدواني:
ويتسم هذا النمط من الشخصية بالتالي:
– حب الآخرين ليس من أولوياته كما هو الحال مع صاحب النمط التابع، فكل ما يهم صاحب النمط العدواني هو أن يهابه الآخرون ويعملون له حساب سواء في حديثهم معه أو تصرفاتهم تجاهه. ولذلك عندما تعاتب بعض من أصحاب هذا النمط على غلظتهم في تعاملهم مع الآخرين، تجده يقول لك: “هم يجب أن يعرفوا مع من يتحدثون ويجب أن يعلموا لي ألف حساب، وإذا لم أتعامل معهم بهذه الطريقة فلن يحترموني”. ولذلك أنبه المعلمين بألا ينزلقوا ويقعوا في هذا الفخ في تعاملهم مع الطلاب، ويظنون أنهم بغلظتهم معهم سوف ينجحون في ضبطهم صفيا ومن ثم السيطرة عليهم، لأنه هناك طريقة أفضل من ذلك بكثير سوف نتحدث عنها لاحقا.
– يتحدث مع الآخرين بأسلوب فج وغليظ دون اعتبار لتأثير فظاظته وسلوكه الحاد على مشاعر الآخرين، وحديثه أثناء المناقشة والحوار ذو طابع هجومي، ونقده لازع جدا دون تقديم أي حلول للمشكلة.
– انتهازي؛ حيث يستغل صاحب النمط التابع في تلبية طلباته والحصول على ما يريده، كما أنه متطفل؛ حيث يتدخل فيما لا يعنيه. كما أن ملاحظاته على الآخرين مغلفة بالإهانة، فهو يعطي النصيحة بطريقة مهينة ودون أن يطلب أحد منه النصيحة أصلا.
– يطلب ما يريده بأسلوب فظ ويريد أن يحصل عليه حتى ولو كان على حساب حقوق الآخرين، فلا يهمه فقط غير مصلحته الشخصية، ولا مانع لديه إذا كان ذلك يؤدي إلى الاعتداء على حقوق الآخرين. فمثلا إذا كان هناك طابور انتظار، تجده يتعدى على المنتظرين ويستخدم الواسطة مثلا من أجل إنجاز معاملته على حساب انتظار المراجعين الآخرين.
كما تجد صاحب هذا النمط عند قيادته للسيارة يتجاوز سيارات الآخرين يمينا ويسارا بطريقة غير لائقة وقد يتسبب في حدوث مشاكل مرورية جراء هذا التصرف المتهور، وإذا عاتبه أحد تجده يتعامل معه بعدوانية شديدة ويصل الأمر به إلى إيذاء الآخرين لفظيا.
– استبدادي، فهو يحب الزعامة رغبة منه في أن يسيطر على الآخرين ويقودهم بدكتاتورية بحيث يكون رأيه هو الرأي الأوحد وغير قابل للنقاش، كما أنه ينتهز أقل الفرص في فرض رأيه وإعطاء الأوامر حتى ولو كان غير مخولا بذلك.
مثلا إذا غاب المدير أو رئيس القسم ولم ينب أحدا مكانه، تجد صاحب النمط العدواني ينصب نفسه نائبا عنه ويتصدر المشهد ويبدأ في إعطاء الأوامر واستخدام الأسلوب الاستبدادي في التعامل مع الآخرين.
– دائما ما يلقي اللوم على الآخرين عندما تحدث مشكلة ما ولا يعترف بالخطأ ويحمل الآخرين مسئولية أخطائه، ويهاجمهم بدلا من أن يركز على المشكلة لمواجهتها ووضع الحلول لها.
مثال: تم تعيين موظف جديد في قسم المشتريات بشركة ما، وفي نفس يوم تعيينه حدثت مشكلة بالقسم، تجد صاحب النمط العدواني يقول للموظف الجديد: “منذ أن وفدت علينا والمصائب لا تتوقف”.
– يلجأ إلى أسلوب التهديد والوعيد ويمارس التسلط والبلطجة مع الآخرين مع أقل مشكلة تواجهه، ظنا منه أن ذلك يحل له المشكلة ويجعل الآخرين تحت سيطرته.
– سريع الانفعال، فعندما يغضب يصرخ ويعلو صوته وربما يشتم بألفاظ نابية، وعندما يهدأ يتعلل بأنه فعل ذلك لأن الآخر أهانه وأن كرامته أهم من أي شيء، بالرغم من أن الموقف الذي تعرض له لا يستدعي كل هذه الثورة والغضب غير المبرر.
والسؤال هنا: لماذا يلجأ العدواني لهذا النمط؟
يظن صاحب هذا النمط أن تصرفه بهذه الطريقة يحقق له ما يريد ويجعل الآخرين يهابونه، كما يعتقد أن البشر لا يهابون ولا يحترمون إلا القوي، وأن كل الناس لا يجدي معهم إلا الشدة والغلظة.
وأود أن أنصح كل مدير شركة أو مدرسة أو أي مؤسسة بألا ينزلق في مستنقع النمط العدواني في تعامله مع مرؤوسيه ظنا منه بأنه إذا استخدم الشدة والغلظة فإنه بذلك سوف يصنع لنفسه المهابة، ويحقق الانضباط والالتزام داخل المؤسسة ويحوز على احترام الجميع له، ولكن الحقيقة هي أن نتائج هذا الأسلوب ما هي إلا نتائج وقتية يزول أثرها بزوال مصدر القوة.
وختاما أقول أنه قد يحصل صاحب هذا النمط على ما يريد وقد يهابه الآخرون كما يرغب ولكن علاقته مع المحيطين به ما هي إلا علاقة قائمة على الخوف لا على الاحترام، وبمجرد ذوال قوته تزول الهيبة والاحترام، بل قد ينتقم منه الآخرون وبالتالي يكون قد خسر كل شيء.