728 x 90



img

رسالة تقول: “ابني في الخامسة من عمره، دائما يزعجنا بتصرفاته، فهو يصرخ بصوت عال مزعج دون سبب، وعنيد لا يسمع الكلام، وإذا زارنا ضيف يقوم بأعمال مزعجة وتخريبية مثل: الصراخ بصوت عال، وسكب الماء على الأرض، عاقبته كثيرا لكنه يزداد سوءا، ماذا أفعل؟”.
هذه الرسالة دفعتني إلى أن أكتب عن عناد الأطفال من حيث ماهيته وأنواعه ومتى يكون محمودا ومتى يكون غير محمود، ودوافعه وطريقة علاجه، خاصة أن عناد الأطفال تعاني منه أغلب الأسر العربية، وللأسف تتعامل معه بطرق تربوية خاطئة تؤدي إلى إما قتل شخصية الطفل وجعله شخصا انقياديا تابعا، وإما أن تخلق منه طفلا مشاكسا عنيدا وعدوانيا أيضا.
ما هو العناد؟
هو الرفض السلبي المستمر الذي يبديه الطفل تجاه الأوامر والنواهي والإرشادات الموجهة إليه من الكبار، وقد يصل ذلك لدرجة التمرد والخروج عن النظام القائم في المنزل أو المدرسة أو أي بيئة اجتماعية حاضنة للطفل.
ما أنواع العناد؟
1- العناد الظاهر: مثل معارضة الطفل العلنية لرغبات الوالدين، كأن يقول مثلا: “لن أفعل كذا”.
2- العناد السالب: حيث لا يهتم الطفل لتوجيهات الوالدين ويتجاهلها كأنه لم يسمعها.
3- العناد الخفي: وهو أن يتظاهر الطفل بالنسيان أو التمارض عندما يتم تكليفه بشيء ما.
ما دوافع العناد وأسبابه؟
الطفل لديه حاجات يريد أن يشبعها، وأي نقص في واحدة من حاجياته تجعله يسلك سلوكا نستدل منه على النقص في إشباع تلك الحاجة، وفي الحقيقة فإن لجوء الطفل إلى العناد، أو التخريب، أو الصراخ من دون سبب، فإن هذا يعود إلى شعور الطفل بالنقص في الحاجة إلى الاعتبار، خاصة أنها أول حاجة للطفل تنتج عن رغبة الطفل في الاعتماد على نفسه، فهو يريد أن يعترف به والداه كشخص مستقل وله قيمته.
والأسباب التي تدفع الطفل إلى العناد يمكن أن نجملها فيما يلي:
1- شعور الطفل بالحاجة إلى المدح، والحاجة إلى الشعور بقيمته الذاتية، فهو يريد من والديه أن يثنيا على تصرفاته وإشعاره بأنه مهم وله دور في الأسرة، فالطفل يعاند من أجل لفت الانتباه وأن يثبت لمن أمامه أنه ذو كيان مستقل.
2- التساهل مع الطفل والتدليل الزائد له، حيث إن كل ما يفعله الطفل مباح، وكل ما يطلبه مجاب بدعوى أنه الطفل الوحيد أو الولد الوحيد بين أخواته البنات، وهذا يخرج لنا طفلا اتكاليا لا يتحمل المسؤولية، يضجر ويصرخ عندما لا يلبي والداه طلباته.
3- الاستجابة السريعة لصراخ الطفل، وهذا أمر يقع فيه كثير من الآباء، ومن هنا يعرف الطفل أنه كلما يصرخ فإن والديه سيلبيان طلبه، مما يصل به ذلك إلى حد العناد والإصرار على صراخه من أجل الحصول على ما يريد.
4- تفضيل الوالدين لأحد الأبناء دون الآخر، كتفضيل الابن الأكبر أو الابن الأصغر (آخر العنقود كما يسمونه في مصر) مما يولد سلوكا انتقاميا لدى الطفل العنيد.
5- العلاقات الأسرية المتوترة، فتجد أن تعامل الأب مع الأم فيه نوع من الجفاء والقسوة ويكون الحوار قائما على علو الصوت والصراخ، فتقوم الأم بدورها بنقل هذه الخبرة إلى أطفالها عبر الصراخ عليهم والتعامل معهم بقسوة، وهذا إما أن يخلق طفلا عنيدا، أو طفلا عديم الشخصية سهل الانقياد.
6- تسلط الأبوين، حيث إن أوامر الأب أو الأم كالقانون الواجب تطبيقه دون مناقشة أو حوار، فالتوجيهات والأوامر تتم دون شرح للأسباب ودون اقتناع الطفل بها.
7- البرامج التلفزيونية السلبية والتي تبرز الشخصيات المشاكسة والشريرة، مثل القط المشاكس، وتوم وجيري، مما يدفع إعجاب الطفل بهذه الشخصيات إلى تقليدها.
8- اختلاط الطفل بأقران عنيدين وبالتالي يقوم بتقليدهم، لكي يظهر أمامهم أنه قوي ولكي يحصل على رضاهم وقبولهم له.
9- رغبة الطفل في إظهار أن له استقلاليته وشخصيته المختلفة عن الآخرين.
10- تكليف الآباء للطفل بما لا يطيق، وبما هو أكبر من قدراته، كتحفيظ الطفل كلاما لا يتناسب مع قدراته العقلية، وبالتالي لا يستطيع الطفل تنفيذ هذه التكليفات مما يولد لديه الشعور بالإحباط.
11- مقارنة الطفل بغيره من الأطفال، وهذا يصيبه بالإحباط وأنه مهما يجتهد ومهما يفعل فلن يحظى برضا والديه، مما يدفعه إلى التمرد والعناد.
متى يكون العناد محمودا؟ ولماذا؟
العناد المحمود هو في السن ما بين 2 –6 سنوات، حيث يريد الطفل الاستقلال بنفسه من خلال المشي وتناول الطعام، فهو يريد الاعتماد على نفسه، ويريد أن تكون له شخصيته المستقلة.
ولذلك فإن العناد عند الطفل في المراحل العمرية الأولى (2 – 6) هو طبيعة مرحلة وهو تعبير عن قوة شخصيته، وهذا يساعد الطفل على اكتشاف نفسه وإمكاناته وقدرته على التأثير في الآخرين. وهذه المرحلة العمرية التي يعاند فيها الطفل هي مرحلة يبدأ فيها الطفل بتأكيد ذاته ورفضه سيطرة الآخرين وتسلطهم وكبتهم لرغباته. وبالتالي فإن خلو الطفل من سلوك العناد قد يؤدي إلى ضعف الإرادة والخضوع مستقبلا.
متى يكون العناد غير محمود؟
إذا تجاوز الطفل سن السادسة ومازال عنيدا، فهذا يدل على أن هذا السلوك قد تم تثبيته وبالتالي يحتاج إلى معالجة وتدخل بالطرق التربوية السليمة مع الابتعاد نهائيا عن العقاب بكل أشكاله.
كيف أعالج عناد طفلي؟
1- امدح الطفل من حيث شكله (كأن تقول له: ابتسامتك جميلة، ملابسك نظيفة وأنيقة)، ومن حيث سلوكه الحسن (مثلا تمدحه قائلا: هدوؤك رائع، تعجبني طريقة ترتيبك لألعابك)، فهذا يزيد من ثقته بنفسه ويمنحه الشعور بأنه مهم وله شخصيته المستقلة التي يعتمد عليها.
2- قم بإجراء حوار يومي مع الطفل (20) دقيقة، وخاطبه كأنه إنسان كبير (صديق)، كأن تحكي له عن موقف مررت به في عملك اليومي أو موقف طريف حدث لك في الماضي.
3- اصغ إلى طفلك حين يكلمك، واترك ما بيدك لترد عليه (هناك آباء يسمعون لأبنائهم ولا ينظرون إليهم، بل إن أحد الأبوين عندما يكلمه طفله تجده يعطي فقط أذنه ولكن بصره مشغولا في قراءة جريدة أو مطالعة كتاب، أو تصفح على الإنترنت، أو الانشغال بإعداد الطعام)، وأعط له الفرصة ليعبر عما بداخله حتى يتم تفريغ الشحنات السلبية المؤدية إلى العناد.
4- امنح الطفل وقتا للعب والخروج للمتنزهات حتى يفرغ الطاقة الزائدة عنده.
5- لا ترفض مطالب الطفل لمجرد الرفض، بل أقنعه بأسباب رفضك، مع إعطائه مساحة كافية للاختيار، والتعبير عن رغباته.
6- امنح طفلك حرية الاختيار، لأن ذلك يشعره بالمسؤولية ويشبع حاجته إلى الاعتبار، مثل:
أ) إتاحة الفرصة لاختيار نوع طعامه، واتركه ليتناول طعامه بنفسه، حتى لو أدى ذلك إلى اتساخ ملابسه.
ب) حرية اختيار ألعابه (حدد له مجموعة من الألعاب المفيدة له واترك له مساحة ليختار فيما بينها، ولا تترك له الحرية المطلقة، لأنه قد يختار لعبة تترك ذات تأثير سلبي عليه مثل ألعاب الفيديو والإنترنت).
7- لا ترغم طفلك على القيام بسلوكيات معينة في الأكل أو الملبس.
8- لا تتكلم نيابة عن طفلك بدعوى أنه لن يستطيع إيصال فكرته، بل اتركه يتحدث ويعبر عما بداخله دون تدخل منك.
9- قلل من أسلوب النصح والتوجيه والأوامر والنواهي، وعندما توجهه نحو أمر ما حاول أن تقنعه بما تقول، لأنه إذا اقتنع طفلك بما تقول سوف تجده أكثر طاعة لك ومتفهما لما تقول.
10-احترم رأيه ولا تسخر منه ولا تسفه من اختياراته أو ردود أفعاله تجاه المواقف أو الأشياء، حتى لا يصاب بالإحباط.
11- كلفه ببعض المسؤوليات المحببة إليه والمتناسبة مع مرحلته السنية، لأن ذلك يشعره بقيمته الذاتية وأن له قيمة ودورا في أسرته، كأن تكلفه مثلا بأن ينبه الأسرة بمواقيت الصلاة.
12- ابتعد نهائيا عن أساليب الحماية الزائدة والتدليل المفرط للطفل، لأن ذلك يخلق منه شخصا اتكاليا، ويعاند والديه حال عدم تلبية رغباته.
13- قدم طفلك للضيوف وافتخر به، وعدد إنجازاته أمامهم، فهذا يشبع لديه الحاجة إلى الاعتبار، ويحفزه إلى الإنتاج والإبداع.وأخيرا أود أن أقول إن عناد الطفل يظهر نتيجة لممارسات تربوية غير سليمة أدت إلى وضع حاجز بينك وبين طفلك دفعته لأن يعاندك ويقاوم توجيهاتك، لدرجة أنه قد يفتقد فيك القدوة ويبحث عن آخر ليكون قدوة له، ولذلك على كل مربٍ أن يعمل على بناء علاقة وثيقة مع الطفل قوامها الحب والود، فكلما زاد الحب زادت جسور التواصل وبالتالي يتقبل الطفل المربي ويجعله قدوة له.