728 x 90



img

العلاقة بين العمل والصحة النفسية معقدة جداً فالعمل من حيث دوره في صياغة النفس والثقة بها والاستغناء عن الآخرين والشعور بالعزة يعد رافداً أساسياً من روافد الصحة النفسية الجيدة والايجابية، ولكن العمل من الجانب الآخر يشكل ضغطاً نفسياً مستمراً يعد من المهم الإحاطة به والتعامل معه وإلا قد يؤثر تأثيراً سلبيا على الصحة النفسية.
كل شخصية منا لها طابع معين يجعل بعض الأعمال أنسب لها من بعض، فالإنسان القلق من التواجد مع الكثيرين سيكون من الصعب عليه أن يعمل في وظيفة استقبال للجمهور أو في صالة مزدحمة كما أن الشخص الحساس الذي يجامل الآخرين يصعب وضعه مسؤولا عن مجموعة من الموظفين قد يضغط كثيرا على نفسه بسببهم ويتحمل من المشاق والضغوط النفسية ما ينهكه نفسيا.
وكذلك الأشخاص الدقيقون جداً والذين يجدون حاجة للإشراف المباشر على كل صغيرة وكبيرة فإن عملهم كمسؤولين عن عدد كبير من الأعمال والموظفين سيكون مرهقا لهم لعدم قدرتهم على تفويض الأعمال والاكتفاء بالتقارير على سبيل المثال.
ومن منّا لا يتعرّض في حياته اليومية إلى الضغط والكبت والخنق، ومن منا لم يواجه خلال أوقاته الكثير من المواقف العصيبة، وكلها تصب في مضخة واحدة، حيث إنّ الضغوط التي تلاحقك من كل اتجاه، ما هي إلّا ضريبة وثمن لنجاحك في عملك، أو حتىّ النجاح في أي شيء من الأشياء، فإنّ كل ما في الحياة له ثمن، وثمن النجاح هو العمل، فنجاحك في عملك أو في دراستك لا يأتي بالتمني، إنما يأتي بالعمل وبالكد والجد والاجتهاد، ويأتي عن طريق تخطيطك السليم والمتواصل لإنجاح حياتك على أسس مدروسة، فكل هذا يحتاج إلى الصبر والهدوء والمثابرة، لذلك يكفي بعض الحكمة للتعامل مع تلك الضغوط؛ كي لا نخسر كل شيء، في حال معرفتك في كيفيّة مواجهة هذه الضغوط.
من البديهي أن كل من يحاول أن يختلف أو يتميز عن الآخر، تلاحقه الكثير من الضغوطات سواء كان رجلاً أو امرأة أو حتى شاباً، فكل من يسعي لتحسين علمه وعمله وقدراته، يواجه الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية من حوله، فكلّها تصبّ في منحنى واحد، تجعله يفقد السيطرة على أعصابه، لكن من يسعي بتميزه الفكري وحبه لتطوير ذاته، يحوّل السلبيات التي تواجهه إلى إيجابيات تدفعه نحو التمكن من عمل جاد؛ يحقق له الأهداف المنشودة والتي يسعى إليها.
في المقابل هناك الكثير من الأشخاص غير المجتهدين وغير الطموحين لا يهتمّون في أن يصلوا للمراتب العليا، أو حتّى يصلوا لدرجة التفكير في تحسين ذاتهم من خلال التقدم أو المواجهة في العمل، فنجد هؤلاء ينهارون مباشرة أمام الضغوطات التي تواجههم، فيرون أن السبيل في التخلص من هذه الضغوطات هو ترك مجال العمل والانسحاب بكل بساطة، للبحث عن أماكن عمل لا يوجد بها ضغوطات معتقدين في أنفسهم أنهم تَغلبوا على تلك المشاكل، حيث يرونها دائماً في نهاية المطاف، ولكن تلك الاعتقادات ما هي إلا وهم عارٍ من الصحة، فلا يوجد عمل بلا ضغوطات، فيتساءل الكثيرون، كيف يمكننا التخلص من الضغوط؟ وما الذي يجب أن نفعله؟
وقد تساهم بيئة العمل في إحداث بعض الأمراض التي لها مسببات متعددة قد تكون العوامل المهنية ، لذلك فإنها كثيرا ما تصيب عامة الناس ولكنها عندما تصيب العاملين تحت ظروف معينة فان العوامل المهنية قد تساهم في إحداث المرض ، وتسمى هذه الأمراض المتعددة الأسباب " الأمراض التي لها علاقة بالعمل ".
و من أمثلة هذه الأمراض ضغط الدم المرتفع، و قرحة المعدة و الإثنى عشر، و البول السكري ، و أمراض الجهاز الحركي و أمراض السدة الرئوية المزمنة Chronic obstructive pulmonary diseases ، و بعض الاضطرابات السلوكية و بعض الاضطرابات البدنية النفسية .Psychosomatic Disorders .
وهناك مصادر التوتر داخل بيئة العمل نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر
1- الإجهاد النفسي المتكرر .
2- الاكتئاب والقلق .
3- وجود ضغوطات نفسية داخل بيئة العمل.
3- عدم الاهتمام بالصحة .
4- عدم الرغبة في مراجعة الطبيب .
5- عدم القدرة على شراء الأدوية .
6 – إهمال من طرف أرباب العمل .
7- عدم إعطاء الفرصة للتسلية والترفيه .
8- عدم إعطاء الحقوق المادية للعامل .
9- عدم تدريب العامل على كيفية التعامل مع الأشياء داخل بيئة العمل .
10- عدم الاهتمام بالوجبة الغذائية الصحية .
ولكي تُجنِّب نفسك ويلات الضغوط؛ عليك إذًا أن تعرف كيف تحمي نفسك وترفع من مستوى صحتك النفسية، أو بعبارة أخرى: عليك أن تقوِّي من مناعتك النفسية، ويستلزم ذلك العديد من الإجراءات ، وهي كالآتي :
أولا: أن تُعزِّز ثقتك بذاتك، ويتطلَّب ذلك أن تكون واقعيًّا في التعرف على ذاتك، تُحدِّد إمكانياتك وطاقاتك بدقة ودون مبالغة، تتحرَّر من الصور الذهنية التي يرسُمها لك الآخرون، وتتبنَّى صورة خاصة لذاتك كما تراها
أنت، تَرسُم لك هدفًا وتسعى لتحقيقه، على أن يكون هدفك متماشيًا مع إمكانياتك ولا يفوقها؛ حتى لا تصاب بالإحباط، تتبنى هدفًا طويلاً وتُقسِّمه لأهداف قصيرة، وكافئ ذاتك مع كل هدف تُنجِزه، والمكافأة قد تكون نزهة أو وجبة محبَّبة أو الالتقاء بصديق أو مشاهدة برنامج محبَّب أو اقتناء كتاب جديد أو حيوان أليف أو تحقيق أمنيَّة لك، وكل إنجاز سوف ينعكس على مدى تقديرك لذاتك وسيدفعك خطوة للأمام.
ثانيًا: يتوجَّب عليك أن تكون يَقِظًا لكل ما يحيط بك، احصر الأشخاص والمواقف والأحداث التي تُحفِّزك وتشعرك بالضغط وتَجنَّبها قدرَ الإمكان، ولا يعني ذلك أن تكون جبانًا وغير قادر على المواجهة، وإنما يعني تفادي ما يُمكن تفاديه دون خسائر.
ثالثًا: تعلَّم كيف تُنظِّم وقتك، لا تُنجِز أعمالاً متعددة في وقت واحد، ابدأ بالأولويات، اترك هامشًا إضافيًّا من الوقت تحسُّبًا للظروف الطارئة.
رابعًا: تَجنَّب الإرهاق، ولا تعمل لفترات طويلة، خذ قسطًا من الراحة عندما تعمل لفترة طويلة وتذكَّر أن المهم هو جودة ما تُنتِجه لا كَمُّ ما تُنتِجه.
خامسًا: تعلَّم كيف تكون مرنًا ككرة المطاط تضغطك الحياة ولا تشوِّه مظهرك وتُفقِدك طبيعتك، فمهما بذلت من جهد فسيطرتك محدودة وهناك أشخاص ومواقف وظروف تَفرِض نفسها عليك فرضًا، ولا تُجدي الحرب المستمرة دائمًا، في بعض الأحيان تحتاج للمرونة والصبر.
إن كل ما سبق يُعَد وقاية نفسيَّة، لكنها وحدها لا تغني، فهناك جانب بيولوجي عليك بمراعاته، حيث يحتاج جسدك للراحة والنوم، وبالطبع تختلف حاجة الجسد للنوم حسب العمر والنشاط المبذول، إلا أن الشخص العادي يحتاج إلى ساعات نوم تتراوح ما بين ست إلى ثماني ساعات يوميًّا، والأفضل أن تكون ليلية وفي مواعيد منتظِمة، وللنوم والراحة تأثير قوي على صحة الفرد وقدرته على مواجهة الضغوط النفسية، وهناك أيضًا ممارسة الرياضة من ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًّا، ومن الأنشطة الرياضية المناسبة المشي، خاصة في الأماكن المفتوحة، وكذلك السباحة وركوب الدراجة، وأخيرًا الغذاء الجيد.



الدكتور / العربي عطاء الله قويدري
إستشاري في الإرشاد النفسي والأسري