728 x 90



img

تحدثنا في الجزء الأول عن المعتقد الخاطئ الذي يتبناه كثيرا من المدمنين والأسوياء ، والذي يري أن قوة الإرادة هو كل ما يحتاج إليه المدمن للتعافي من إدمانه، واتضح لنا ان هذا المعتقد يجانبه الصواب ، فمشكلة الإدمان تكمن في الاساس في ذات الشخص المدمن ، وليس في المادة التي يدمنها ، فعمليه التعافي من الإدمان تحتاج الي تغيير شامل في منظومة الإفكار والمتقدات والقيم ، التي يتبنها المدمن ، والتي تدفع للوقوع في براثن الإدمان ، كما بينا في المقال السابق كيف يحتاج المدمن الي تقبل ذاته التي هو عليها الأن كونه (مدمنا) يحتاج إلي الدعم النفسي ، وتلقي المساعده ، والعلاج الحيوي والنفسي والاجتماعي ، متعدد المحاور بمنظورة الشامل.
إن حجر الزاوية وعمود الخيمة في التعافي من الإدمان هو قبول قبول الذات بالشكل الذي هي عليه الأن ، وعندما يحدث ذلك سوف يتوقف المدمن عن محاولة السيطرة علي الطريقة التي تتبدي له بها الأشياء ، ومن ثم يبدأ في ملاحظة الدمار الذي تنطوي عليه نظرية الحلول العاجلة السريعة ، وليس ذلك فحسب ، بل سرعان ما يدرك أن تلك النظرية لا تصلح له . وهنا تبدأ عملية التعافي من الإدمان.
مسألة التغلب علي الإدمان – علي مستوى الفرد والمجتمع – تحتاج إلي ما يطلق عليه "تغيير النسق الثاني" بمعني التفكير في الإدمان وتعرفه بطريقة جديدة. فقد اتضح لنا أن المصدر الأساسي للإدمان لا يجود داخل المادة بذاتها أو النشاط الفردي بنفس القدر الذي يوجد داخل أنفسنا . فنحن بحاجة ماسة إلي نموذج للفهم والشفاء ، بشرط أن لا يكون ذلك النموذج مبنيا علي أعراض الإدمان ، وإنما علي أصل المشكلة ، أو إنشئت الدقة فقل : نموذج نفهم به المرض الموجود داخلنا والذي يجعلنا معرضين مستهدفين لتلبية نداء الحالة النفسية لنا. "بأن نصبح مدمنين"
والخبر الجميل الذي نسوقه هنا هو أن الشفاء من الإدمان أمر ممكن إذا ما استطاع المدمن التخلي عن الحلول الإدمانية ونحاها جانبا. بالإضافة إلي ذلك فسير المدمن في طريق التعافي سوف يغير حياته تغييرا إيجابيا وعميقا بشكل لا يمكن تصوره . فعلي سبيل المثال عملية الحرمان من المادة المخدرة ف تعني أبدا استقالة المدمن من حياته ودخوله حياه أخرى خالية من المرح أو حياة من السأم والملل الذي لا ينتهي . الأمر علي العكس من ذلك تماما ، في التعافي من الإدمان يشعرنا بالإرتياح الداخلي الذي يترتب علي قبول الذات . التعافي يعني أن نتعلم مواجهة المشكلات بثقة وشجاعة ، وسوف يحدث ذلك حين نمتلك المهارات التي تمكننا من التعامل مع تلك المشكلات من منطلق إدراكنا للتبعات والمسؤوليات ، ومن باب سعة الصدر وسعة الأفق ، ومن باب الأبداع أيضا . يضاف إلي ذلك ، أن التعافي يدور حول إيجاد مزيد من الإشباع الحقيقي والإيجابي في الحياة ، من خلال الإحساس بالمعنى ، الإحساس بالإنتماء ، الإحساس بالمرح والمتعة ، الإحساس بالهدف ، وبمرور الوقت ، سوف يحقق الشفاء للمدمن ، لذة أفضل وأمتع من تلك التي كان المخدر أو المسكن يعطينا إياها.
قد يراودنا ونحن علي طريق التعافي ، شي قليل من الحنين إلي الماضي ، وهذا أمر وارد ومفهوم أيضا. وبالرغم من ذلك كله ، فقد عايشنا أوهام الإدمان ، فترة طويلة من الزمن ، والتخلص من هذه الأوهام اثناء عملية التعافي يشبه التخلص من جزء من أنفسنا . ولكننا إذا ما اشتقنا إلي تلك الأنماط المألوفة القديمة ، يجب أن نتذكر ان تلك الأنماط لم تكن تحقق لنا ما نريد بأى حال من الأحوال، لأن ما نريده ليس إلا وهما. من هنا يجب أن يسمح المدمن لنفسه بالاستثاره والإنفعال ن ويتركها تمضي قدما وهي مفعمة بالأمل ز إنها بحق مغامرة تستحق منا أن نبدأها ونشرع فيها ونحن في كامل القوة والحيوية والثقة في أننا سوف ننجح في التعافي من الادمان.


دكتور / عاشور ابراهيم عبد الرحمن حسين
إختصاصي نفسي إكلينيكي.